الأربعاء، 29 أبريل 2009

وداعا مطار النزهة .. أهلا برج العرب 2

مطار برج العرب - أبريل 2009

وداعا مطار النزهة .. أهلا برج العرب 2
لأن لدينا أزمة ازدحام غير مسبوق فى الإسكندرية وهناك مطار يحتل مساحة شاسعة فى وسط المدينة تحتاجها بشدة ، وهناك حواجز جغرافية تمنع امتداد العمران جنوب المركز وتجبر المدينة على الامتداد الطولى على الساحل
ولأن لدينا حركة طيران متزايدة والمطار القديم توقف نموه عند الحد الحالى
وحيث أننا أدركنا ضرورة إنشاء مطار جديد ، وأنه تم اختيار موقعه خارج المدينة
وحيث أن المطار الجديد سيعمل بالإضافة كحافز تنمية عمرانية بدأت بالفعل بالمدينة الصناعية ويمكنها ضم مساحات كبيرة من الصحراء
واضح أن هناك سيناريوهان لم يستقرا بعد فيما يتعلق بمصير مطار النزهة:
1. استبدال مطار برج العرب بمطار النزهة والانتفاع بمساحة الأخير فى التنمية العمرانية بالقرب من وسط المدينة
2. الإبقاء على مطار النزهة للرحلات الداخلية وتخصيص مطار برج العرب للرحلات الدولية

السيناريو الأول يفترض كفاية المطار الجديد كمطار وحيد للمدينة
السيناريو الثانى يفترض عدم قدرة المطار الجديد على استيعاب حركة الطيران بشقيها الداخلى والدولى ولذلك يبقى على المطارين
هنا نصل إلى السؤال ماذا كان فى ذهن المخططين لإنشاء مطار برج العرب فى البداية ، هل كمطار بديل أم كمطار مساعد؟
يبدو أن ذلك لم يكن فى إطار التخطيط بقدر ما كان فى إطار المساهمة فى حل أزمة الطيران المتزايد وبغرض التخفيف عن مطار النزهة
ورغم كل ما قيل عن قدرة المطار الجديد يبدو أنه لا يزال هناك تشكك فى كفايته من جانب سلطات الطيران المدنى وبالتالى فنحن أمام تردد كبير فى إزالة المطار القديم ، وهكذا لن يستفاد من إزالته فى خدمة حركة الطيران كما يجب وربما يتسبب ذلك فى اختناقها أكثر ، فإن تمت الاستجابة لضغوط القطاع الخاص قبل التحقق من كفاية البديل سنكون كمن أبدل أزمة بأخرى

الحقيقة أن مطار برج العرب "الدولى الجديد" ليس إلا مطار صغير بكل المقاييس ، ومقارنة سريعة بينه وبين مطار القاهرة الدولى تكشف لنا أن رقم المليون مسافر (المستهدف عام 2014 ) رقم هزيل بجانب قدرة مطار القاهرة الذى استقبل 14 مليون مسافر فى العام الماضى ويستعد لاستقبال 23 مليون مسافر عام 2010
هذا بجانب أن المطار الجديد والمفترض افتتاحه فى سبتمبر 2009 أى بعد 4 أشهر لم يستكمل للآن ، فهل ستكفى هذه الأشهر القليلة لبناء ما تبقى؟ الأرجح أن بناء المطار سيستغرق وقتا أطول ، ونعود لنقول أنه بفرض اكتماله فلن يكون مطار برج العرب مطارا كبيرا بأى مقياس
ولذلك فلا يمكن الاعتماد عليه وحده ولا يمكن التعجل فى إغلاق مطار النزهة وتحويله إلى تجمعات سكنية فى الوقت الحالى ، وهكذا يتضح القصور فى السيناريوهين المحتملين وأن أيا منهما سيفشل فى تحقيق فائدة حقيقية

الحل الحقيقى يستوجب إعادة النظر فى هيكلة وتمويل المطار الجديد ، خاصة أنه لم يكتمل بعد ، بحيث تصل قدرته إلى خمسة ملايين راكب مثلا ( وهذا أيضا رقم متواضع حيث أن هذه كانت سعة مطار القاهرة عام 1963 ) أو أكثر ، وأعتقد أن الإسكندرية تستحق مشروعا أفضل من هذا الذى يجرى إنشاؤه الآن ، ويكفى أن نعلم أن مشروع تطوير أحد مباني مطار القاهرة الثلاثة القائمة (مبنى 2) الذى أعلن عنه العام الماضى بلغت ميزانيتة 400 مليون دولار أى أربعة أضعاف ميزانية إنشاء مطار برج العرب بالكامل!
مساء الخير ..

الاثنين، 27 أبريل 2009

وداعا مطار النزهة .. أهلا برج العرب


وداعا مطار النزهة .. أهلا برج العرب
يقع مطار برج العرب على بعد 45 كم تقريبا جنوب غرب الإسكندرية ، وبدأ التفكير فيه حين بدا أن مطار النزهة قد تجمدت قدرته على التوسع ، المطار المؤقت صغير طاقته 600 راكب / ساعة واستقبل حوالى 190.000 راكب خلال العام الماضى
أما المطار الدولي الجديد والمنتظر افتتاحه هذا العام 2009 فطاقته 1000 راكب / ساعة ويستطيع استقبال الطائرات الضخمة ويمكنه استقبال مليون راكب سنويا ، وبه قرية للبضائع

الحقيقة أن هناك علاقة وثيقة بين ازدحام المدينة وتنميتها وأوضاع مطاراتها ، لكن دعونا الآن نتجول قليلا فى أرشيف الصحافة قبل أن نتحول إلى الآراء فى أزمة المدينة وما يمكن أن يطرح من حلول

مساء الخير ..

مصر تدرس إغلاق مطار النزهة الدولي بالإسكندرية
الشرق الأوسط
الجمعـة 1 ابريل 2005
القاهرة: أميرة محمد
قال وزير الطيران المصري احمد شفيق إن السلطات المصرية تبحث إغلاق مطار النزهة الدولي بمدينة الإسكندرية في شمال مصر بسبب صعوبة تطويره وتحديثه وزيادة طاقته الاستيعابية نظرا لمحاصرته بالارتفاعات السكانية التي أثرت على قدرة المطار في استقبال الطائرات ذات الطرازات الكبيرة
تفاصيل / المصدر:
http://www.aawsat.com/sections.asp?section=6&epage=economy&apage=%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF&issueno=9621

مطار النزهة بعد مطار إمبابة
فى 7 مارس 2009

كتب أحمد حسن بكر
علمت "المصريون" أن عددا من كبار المستثمرين في مجال الاستثمار العقاري يضعون أعينهم على مطار النزهة بالإسكندرية، بعد إغلاقه مؤخرا أمام الطيران الليلي، بقرار من هيئة الطيران المدني، بسبب مخالفات منشآت منطقة "الداون تاون" بالحديقة الدوليةويهدفون من ذلك إلى تكرار سيناريو أرض مطار إمبابة ، من خلال المطالبة بإغلاق مطار النزهة ، والاستفادة من موقعه ، بدعوى أن المنطقة زحفت عليها المباني من كل ناحية ، وأن المطار لم يعد من الناحية الفنية صالحا لحركة الطيرانفبعد أيام من صدور القرار بوقف حركة الطيران، تقدمت عدد من الشركات بطلب إلى الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء بطرح أرض مطار النزهة للبيع، وتخصيص الأرض الكائن عليها كمنتجع سكني، بعد أن طرحوا البديل له، وهو مطار برج العرب بغربي الإسكندرية لخدمة حركة الطيران


إغلاق مطار النزهة.. تحت الدراسة
فى 13/05/2007
جريدة المساء
نفي الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني وجود أي قرار حالياً بغلق مطار النزهة بالاسكندرية.. مؤكداً ان الأمر برمته قيد الدراسة
أشار خلال لقائه بأعضاء جمعية رجال الأعمال بالاسكندرية.. الي ان الطائرات الكبيرة سيتم تحويلها الي مطار برج العرب وسيقل استخدام مطار النزهة تدريجياً
تفاصيل / المصدر:
http://www.egypty.com/finance-details.aspx?finance=258

مطار جديد في برج العرب ‏...‏
تجهيزات علي مستوي عالمي وتصميمات لاستقبال الطائرات الضخمة
مطار النزهة غير مناسب لاستيعاب حركة الطيران

فى 12 مايو 2008
الأهرام – تحقيقات
تحقيق‏:‏ فكري عبد السلام
في خطوة نحو التنمية في محافظات الدلتا والساحل الشمالي بدأ تنفيذ المرحلة الأولي لانشاء مطار برج العرب الدولي الجديد علي مساحة‏18‏ كيلو مترا بتكلفة‏100‏ مليون دولار والمنتظر افتتاح هذه المرحلة في سبتمبر من العام المقبل‏...‏
تفاصيل / المصدر:

http://www.ahram.org.eg/Archive/2008/5/12/INVE2.HTM


وداعا مطار النزهة 3


وداعا .. مطار النزهة 3
لكن ما مدى صحة تلك الأخبار عن إغلاق مطار النزهة للأبد؟
أحد مزايا هذا المطار قربه الشديد بحيث يمكنك أن تكون فى وسط المدينة بعد دقائق من خروجك ، وبالطبع سرعة الوصول إليه إن كنت مغادرا
الحقيقة أن أسباب قرب المطار عديدة:
1. موقع المطار لا يبعد أكثر من 6 كيلومترات عن ساحل البحر ووسط المدينة

2. وقت إنشاء المطار عام 1947 كانت هذه المسافة مناسبة لصغر حجم المدينة ، فالمطار على أطرافها الجنوبية ، وكان إنشاؤه منطقيا فى هذا الموقع

3. بعد نمو المدينة وازدياد كثافتها على مدى ستين عاما أصبح المطار محاطا بمناطق عمرانية شديدة القرب من ممراته ولم يعد موقع المطار فى الأطراف الخالية كما كان ، بل أصبح وكانه فى وسط المدينة ، ولنفس الأسباب حوصر المطار فيما بني عليه وقت الإنشاء وأصبحت توسعته أو زيادة طاقته شبه مستحيلة ما لم تتم على حساب الأرض الزراعية

4. غياب الثقافة البيئية التى تمنع الناس والأعمال من الاقتراب من مواقع المطارات بمبانيها وتجمعاتها بعدا عن التلوث والضوضاء ، بل والتى يمكن أن تمنع إنشاء المطارات فى مواقع قريبة من التجمعات المدنية كما يحدث فى بلاد العالم الأخرى

5. غياب التخطيط العمرانى ومشروعات التنمية المدنية المستقبلية مما يجعل المطارات مناطق جذب عمرانى ( على عكس المفترض بيئيا ) ، بما يصحبها من مشروعات بنية تحتية قوية كالطرق وخطوط الكهرباء والاتصالات وغيرها
6. بقى أن نعلم أن أكثر المنشآت الجديدة غزوا لمنطقة حرم المطار هى مشروعات استثمارية تجارية وسياحية جرى التسويق لها من قبل الحكومة أو المحافظة ، وهى قريبة جدا لدرجة أنك ترى الطائرات تطير فوق رأسك بالحجم الطبيعى! ناهيك عن الصوت الرعدى الذى ينطلق من محركاتها

خلال التسعينات ، ومع ازدياد الضغط على مطار القاهرة تم تحديث مطار النزهة حتى يمكنه استيعاب الطيران الدولى ، ويستقبل حاليا الطائرات الصغيرة والمتوسطة بطاقة 600 راكب / ساعة وحوالى نصف مليون راكب سنويا
ثم اتضحت الحاجة لمطار جديد فأقيم مطار مؤقت بمنطقة برج العرب إلى حين إنشاء مطار دولى جديد بنفس المنطقة مع الأخبار عن قرب افتتاح المطار الجديد تزايدت الإشاعات حول إغلاق مطار النزهة ، ورغم نفى وزير الطيران هذه الأخبار وحديثه للصحف عن مشروعات تطوير جديدة ، إلا أنه تحدث كثيرا أيضا عن معوقات سير المطار وتطويره
مساء الخير..

وداعا مطار النزهة 2



وداعا .. مطار النزهة 2
أهم من هذا كانت رحلة الإسكندرية فرصة نادرة لأرى منظر المدينة من السماء .. البحر والشواطىء والمبانى ، كان كل شيء واضحا وجميلا فى البداية ، ولكن حينما ارتفعت الطائرة أذهلنى المنظر ، لقد ضغط كل شيء فى المدينة فى شريط ساحلى ضيق بل فى منتهى الضيق نسبة إلى المساحات الشاسعة التى تترامى خلفه من أراض زراعية وبحيرات وصحراء ، المدينة كلها اكتظت فى مساحة لا يتعدى عمقها بضعة كيلومترات من خط الساحل ، وتتعجب لماذا تزاحم الناس والمبانى هكذا فى هذا الشريط الضيق تاركين خلفهم كل هذا الفراغ؟!
الحقيقة أن الجغرافيا هنا قاسية حقا ، فلا الأرض الزراعية ولا البحيرات ولا الصحراء تتيح الفرصة لأى عمران إلا شرقا أو غربا بمحاذاة الساحل ، وهذا ما حدث فى العقود الأخيرة مما جعل المدينة مستحيلة الترابط ، شرقها فى واد وغربها فى واد آخر ، هذا يمتد 30 كم شرقا وهناك 30 كم أخرى تمتد غربا من وسط المدينة
أى أنه إذا دعاك أحد سكان الغرب ، العجمى مثلا ، لزيارته وأنت من سكان الشرق ، ميامى أو المعمورة ، فسوف يكون عليك قطع 40 كم على الأقل ذهابا ثم عودة فى نفس اليوم رغم أنك فى نفس المدينة ، وسوف تكتشف أن عملية اختراق المدينة بطولها وسط الأحياء السكنية المكتظة بسيارتك الخاصة مغامرة عصبية أو رياضية على أفضل تقدير ، ولذلك ستعتذر عن قبول الدعوة دون تردد ، أما إذا فكرت فى القيام برحلتك بالمواصلات العامة فسوف تعلم أن عليك ركوب ثلاث وسائل مواصلات قبل أن تصل إلى هدفك ، وأن هذا الأمر يستغرق 3 ساعات فى الذهاب ومثلها فى العودة ، وربما تساءلت هل ينوى صديقك هذا مجاملتك حقا أم أنه فى الواقع شخص حاقد قد حكم عليك بالأشغال الشاقة ولو لمدة يوم واحد!
وبنظرة إلى طرق المدينة الرئيسية نرى فى الشرق الأدنى 3 طرق طولية هى الكورنيش وطريق الحرية وطريق الترام ، تختصر إلى طريقين فى الشرق الأوسط أى بعد انتهاء خط الترام ، وفى أقصى الشرق يوجد طريق واحد هو الموازى لقطار أبى قير ، أما فى الغرب فيوجد طريق واحد فقط داخلى حيث لا يوجد طريق كورنيش بسبب البناء المباشر على البحر بالمصايف والقرى السياحية

وإذا علمنا أن امتدادات المدينة الساحلية ليست بها أماكن أعمال عامة أو مصالح حكومية أو جامعات نجد أنه على سكان المدينة الخروج بعد الفجر مباشرة للوصول إلى أعمالهم فى الصباح والعودة فى المساء ، وبين الرحلتين عليهم إما البحث عن طعام للغداء فى أحد المطاعم أو الصيام حتى العودة ، وبمناسبة الصيام فإن كان شهر رمضان تضاعف العذابان

وتتزايد أفكار وتفانين رجال المرور لمحاولة تخفيف احتقان الطرق فيقصرون بعضها على اتجاه واحد ويزيدون من تعيين عساكر المرور فى الإشارات ، ويطاردون السيارات بالقانون القديم والجديد وبالونش وبالكلبشات وباللجان وبالمخالفات ، لكن كل هذا لا يفيد ، الأزمة تزداد سوءا ، حتى أصبحت المدينة تعانى من الازدحام المزمن ليل نهار وصيفا وشتاء حتى بدون مصيفين أو زوار رسميين ، فإذا صادفت يوما موكبا رسميا فستندم أشد الندم لأنك قررت النزول من بيتك وستعرف مغزى المثل القائل .. من خرج من داره ..
لكن المواطنين أيضا يفكرون ، وبمناسبة الكلبشات لم نكن أول من اخترعها ، فقد استخدمتها عدة دول قبلنا لكنها لم تدم طويلا ، لقد عرف المواطنون كيف يتعاملون معها بأمان تام ، ببساطة اشترى بعضهم الكلبشات من مورديها ولم يكن على صاحب السيارة إلا أن يقوم "بكلبشة" سيارته فى أى مكان يتركها فيه ، فإذا رآاها رجل المرور "مكلبشة" جاهزة يتركها فى حالها ويمضى إلى غيرها!
مساء الخير ..

وداعا .. مطار النزهة Nuzha AP




وداعا .. مطار النزهة
ليست هذه عبارة أطلقها أحد المسافرين فى وداع أحبائه فى المطار ، لكنها فيما يبدو فى وداع المطار ذاته ..!
مطار النزهة الذى اشتهرت به الإسكندرية والذى تجاوز عمره الستين عاما أعيد إغلاقه وفتحه عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية تحت بند أعمال الصيانة ، وفى الآونة الأخيرة سرت أخبار وإشاعات عن قرب إغلاق مطار النزهة للأبد ..
فما هى الحكاية وماذا يهمنا من أمر المطار؟

أول زيارة لى لمطار النزهة كانت عام 1990 كنت فى رحلة خط سيرها الإسكندرية – القاهرة – كوبنهاجن – دبلن ، لم تكن هناك خطوط دولية مباشرة من الإسكندرية ، ولذلك أضيفت رحلة القاهرة
بين الإسكندرية والقاهرة كانت الرحلة غريبة بعض الشيء .. كانت الطائرة من الحجم الصغير ، وأخذت تتأرجح فى الهواء حتى تملكنى الشعور بأن الطائرة ربما ستسقط بفعل الرياح أو بأى فعل آخر ، المهم لم تكن مريحة على الإطلاق ، وتنفس الركاب الصعداء بوصولنا بسلامة الله إلى أرض مطار القاهرة الدولى
أما فى رحلة الطائرة العملاقة عبر البحر المتوسط ثم جنوب وغرب وشمال أوربا كانت خمس ساعات ممتعة حقا .. لا تشعر بأى اهتزاز ولا ينتابك أى خوف ، ومع الوقت تبدأ فى القراءة أو متابعة الفيديو أو الاستماع إلى الموسيقى .. ثم تأتيك وجبة ساخنة تقدمها لك إحدى المضيفات بأدب جم ، وبابتسامة خفيفة تسألك عما تفضله ، وتندهش كيف تهتم الخطوط الأجنبية بمعرفة ذوقك الشخصى فى الطعام وإن كنت تتناول لحم الخنازير أم لا وأنت معلق فى الفضاء على ارتفاع 10 كم عن سطح الأرض ، تشعر حقا بالراحة وكأنك فى أحد الفنادق الفخمة أو فى بيتك على الأرض ، ولما كان الوقت نهارا والجو صاف والشمس ساطعة فقد تمتعت فعلا بمناظر الطبيعة الأوربية الخلابة ، سلاسل جبال هائلة مكسوة بالثلوج ووديان خضراء وتلال زاهية أنستنى ما حدث قبلها بساعات
علمت بعدها أنه كلما زاد حجم الطائرة كلما زاد ثباتها فى الطيران ومقاومتها لتيارات الرياح ومطبات الهواء ، وأن ما حدث لى يحدث عادة فى معظم الطائرات الصغيرة ( بالمناسبة كانت تلك الطائرة ، ولدهشتى ، من طراز عتيق بالنسبة لعصر النفاثات فكانت بمروحتين كما فى أفلام زمان) ، لكن ما خطر لى فى هذه الرحلة هو نفس الخاطر الذى لا يغيب عن بالى فى أى رحلة جوا منذ أول مرة أسافر فيها على متن طائرة .. يا إلهى .. كيف يطير هذا الشيء!! .. نعم لدينا من العلم ما يسمح لنا بتفسير هذا ولدينا من التجربة ما يدفعنا لتصديقه ، لكن التعجب أبدا لا يزول ..

لقد مرت على البشرية عصور سحيقة لم يستطع فيها الإنسان الطيران على الإطلاق ، فكيف فى بضع عشرة سنة يصبح كل شيء هكذا سهلا وميسورا ويصبح الطيران حقيقة عادية يتعامل معها ملايين البشر كل يوم فى كل أنحاء الدنيا .. ودائما أردد .. علم الإنسان ما لم يعلم .. الواقع أننى رغم كل الدراسة والاطلاع والتجربة ما زال يستهوينى النظر إلى الاختراعات الحديثة نظرة من يراها لأول مرة .. إن التحامنا بالتكنولوجيا الحديثة وتعودنا عليها لا يسمح لنا بتأمل كيف كانت الحياة قبلها ويفقدنا تقديرها كما يجب ، بل إنه مع كثرة التطبيقات الحديثة مثل الكمبيوتر وسفن الفضاء وموجات الاتصالات والإنترنت وغيرها مما ظهر خلال القرن العشرين العجيب لم تعد لدينا الفرصة للتفكير فى اختراعات جديدة .. أصبحنا نلهث خلف ما يأتينا من الشرق والغرب وكأننا اكتفينا بمحاولة اللحاق بالتعرف على ما هو موجود تاركين مهمة الاكتشافات الجديدة لغيرنا .. أو بمعنى آخر شغلنا استهلاك الحضارة عن إبداع الحضارة ..

مساء الخير ..

السبت، 18 أبريل 2009

بين المكتوب والمنطوق 3

متابعة: بين المكتوب والمنطوق
إكمالا لحديثنا عن الأمية الجديدة هناك حقيقتان لابد من ذكرهما
الحقيقة الأولى أن الأمى التقليدى هو من لا يعرف القراءة والكتابة ، إذاَ فحديث العامية المكتوبة ليس موجها إليه
وهذا الأمى التقليدى ، مع أميته ، يستطيع إجمالا تفهم المعانى الفصيحة حين سماعها ولا تقف أميته حائلا دون ذلك ، يمكننا بسهولة قياس هذا عند استماع العامة من الأميين التقليديين إلى مادتين منتشرتين يتم إذاعتهما صباح مساء بالعربية الفصحى وهما نشرات الأخبار والقرآن الكريم ، أضف إلى ذلك القصائد المغناة مثل قصائد أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ، ومعروف فى التاريخ العربى قوة اللغة رغم انتشار الأمية بمفهوم عدم استطاعة القراءة والكتابة
لم تكن هناك حاجة فى أى وقت "لترجمة" هذه المواد إلى أية لهجة محلية بل إن تذوقها لدى العامة تم بشكلها ولشكلها غير الدارج

الحقيقة الثانية أن من توجه إليهم كتابات العامية أو لهجة التخاطب المنطوقة ، يستطيعون القراءة ، أى كأنك تعطى عكازا لمن يستطيع المشى! وهنا تكمن المفارقة العجيبة
الأمى الحقيقى غير معنى بأى شيء مكتوب .. لكنه لديه القدرة على إدراك كل المسموع فصيحا كان أو دارجا
الأمى الجديد لديه القدرة على إدراك المكتوب والمقروء والمسموع فما هى مشكلته فى اللغة على وجه التحديد؟
تتجسد هنا الحقيقة الثانية ، الأميون الجدد لديهم مشكلة فى استخدام أحد شقى اللغة ، القراءة والكتابة ، فهم يستطيعون القراءة لكنهم لا يجيدون الكتابة ويعانون من ضعف خطير فى القدرة على استخدام الأدوات الإملائية والنحوية معا
نستنتج من هذا أن الكتابة هى مشكلة الجيل الجديد وليس القراءة ، فلماذا توجه إليهم كتابات دارجة طالما أنهم يستطيعون قراءة اللغة السليمة؟
نأتى هنا إلى المشكلة الحقيقية وسبب ظهور هذه الكتابات ، وهى أن المشكلة تكمن أساسا فى قدرة الكاتب وليس القارىء
فهؤلاء الذين يكتبون كل أعمالهم بالعامية يعانون من ضعف فى كتابة اللغة العربية ، ولكنى أندهش لماذا تكتب وأنت أساسا ضعيف اللغة؟ إن لم تكن كذلك ، ولعلى مخطىء فى استنتاجى ، فماذا يمنعك من الكتابة باللغة السليمة ، لا تقل "الجمهور عاوز كده" فهذه هى لغة شباك التذاكر فى السينما التى اخترعت لنا هذا التعبير لتبرير سفاهاتها ، ثم إننا علمنا أن المنطوق له عذره ولا غبار فى أن تجرى مادته باللهجة الدارجة ، لكن ما الذى يبرر ذلك فى المكتوب ، ثم إن القارئ ليس لديه مشكلة فى فهم الفصحى فماذا تقصد؟

نخلص من هذا إلى ما أشرت إليه فى أكثر من موضع سابق أنه إذا استثنينا بعض الأشكال الناطقة وما يندرج تحت باب الأدب الشعبى من زجل وغيره ، وما قد يستخدم أحيانا من تعبيرات دارجة محدودة وسط سياق فصيح ، فالمسألة لا تعدو كونها تعبير عن عجز الكاتب وقصور فى استعمال اللغة إذا تمت كتابة أعمال كاملة باللهجة العامية يقصد بها قراءتها على هذا النحو
وبما أن هذا العجز والقصور ليس مبررا لاستمرار هذه الظاهرة واستمرائها ، لأن ذلك يخرب اللغة ويميع قواعدها وأساليبها فلن يبقى لدينا إلا أن نعتبر أن هذا هو الهدف .. تخريب اللغة والاستخفاف بأصولها وجعلها تنحدر إلى مسالك لا هوية لها ولا قواعد ، وبالتالى فلن يكون هناك أدب ولا شعر ، ولا أسلوب ، ولا علم ولا تحضر ، وسواء فعلنا ذلك عن قصد أو دون قصد فالنتيجة واحدة .. ضياع اللغة
الخلاصة إن الأمة التى تفقد لغتها تفقد أصولها وهويتها قبل ثقافتها وأدبها ، عندئذ سوف تسهل مهمة دعاة الهيمنة ، وسيقصر طريقهم إلى السيطرة على العقول والوجدان قبل السيطرة على الأرض والعمران
استمعت أمس إلى حديث جديد للأستاذ هيكل عن أهمية إحياء اللغة العبرية فى إسرائيل ، فى روايته أن المسئولين الإسرائيليين صرحوا لأحد كبار الإعلاميين البريطانيين بأنهم فى صدد تثبيت أركان الدولة المعتمدة أساسا على الجيش فى كل شيء يسعون إلى إحياء اللغة العبرية وتقويتها لكى تحل اللغة محل الجيش فى توحيد صفوف الإسرائيليين! .. اللغة محل الجيش .. هلا أدركنا الآن قيمة اللغة؟!

الجمعة، 17 أبريل 2009

حسنين هيكل - الجزيرة - Heikal

الكاتب الصحفى الأستاذ محمد حسنين هيكل على قناة الجزيرة ، لا يبدو أن حلقات برنامحه " مع هيكل" مكتوبة مسبقا بشكل كامل ، أى أنه يقوم بتحضير مادة الحلقة فى نقاط رئيسية ثم يترك التفاصيل لحين إذاعة الحلقات

عند تفريغ محتوى الحلقة إلى مادة مكتوبة تتحول بالضرورة إلى العامية المكتوبة

الشيخ الشعراوى: تفسير - Sharaawi

متابعة: بين المكتوب والمنطوق

هناك أصل مكتوب لهذه الحلقات لا تستخدم فيه العامية وإنما جرى استخدامها أثناء إذاعة البرنامج الناطق

ويبدو أن الشيخ الشعراوى هو أول من استخدم العامية فى البرامج الدينية

الخميس، 16 أبريل 2009

جمال عبد الناصر 1966 - Nasser

أشهر من خرج عن النص المكتوب إلى العامية المباشرة فى خطبه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، غير أن شعبيته لم تكن نتيجة لهذا الأسلوب أو ذاك

بين المكتوب والمنطوق 2

عودة إلى هذا العنوان قد يكون من المناسب استعراض أمثلة من أصول مكتوبة لخطابات تحولت أثناء إلقائها إلى العامية دون أن يكون لذلك أثر سلبى على المتلقى ، بل ربما العكس هو الذى حدث ، فقد أدى هذا التحول إلى استثارة الجماهير وشد انتباهها أكثر إلى ما يقال ، وأهم من ذلك اجتذاب عدد أكبر من الجمهور ، أى تحقيق "الجماهيرية" أو الشعبية..
زمنيا يأتى أولا نموذج لإحدى خطب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (1966) ثم نموذج لحلقة من حلقات تفسير القرآن للشيخ محمد متولى الشعراوى ، ثم أحد برامج الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل منذ أيام على قناة الجزيرة ..
فلنستمع معا إلى هذه النماذج من خلال الرسائل التالية ، وربما يكون لك تعليق عزيزى القارئ على هذا أو ذاك فمرحبا بكل الآراء
مساء الخير ..

الأربعاء، 8 أبريل 2009

بين المكتوب والمنطوق






لا أدرى هل سأقاوم التيار وحدى ( ومعى بعض الكتاب لا أنكر) وأستمر فى الكتابة بالعربية؟
هناك مشكلتان فى الكتابة بالعربية
أول مشكلة أن غير الناطقين بالعربية لن يصلهم شيء مما يكتب ، ولكن بما أننا سنفترض أننا نكتب لنا وعن أحوالنا يمكننا أن نقلل من أهمية هذه المشكلة وقد لا يهم كثيرا مناقشة أمورنا مع غيرنا
ثانى مشكلة ، وهى الأهم ، أن اللغة لم تعد لغة شرعية أو أصلية ، أقصد ما تعلمناه فى المدارس والكتب ، وأعجب ما نراه انتشار الكتابة بالعامية الدارجة ليس فى الصفحات الخاصة على الإنترنت فقط بل تصدر بها الكتب وتعلق بها الشعارات وتتفنن فيها دعايات الطرق واللافتات وإعلانات الصحف والمجلات ، وبعضها دعايات حكومية لجهات رسمية وأخرى شعارات لأحزاب سياسية
طبعا تشاهدون التليفزيون وتتابعون القنوات الفضائية كبقية البشر فى العصر الحديث ، وأكيد تلاحظون كيف فى حوارات المسئولين الكبار والمعلقين والمحللين السياسيين بل وبعض "المفكرين" يسأل أحدهم السؤال بلغة عربية فصيحة سليمة واضحة بسيطة من قبل المذيع أو المذيعة وتفاجأ بالرد بالعامية التقليدية التى يتحدث بها المسئول فى بيتهم ومع السائق أو البواب ، ويستمر الحوار ومقدم البرنامج يحرص على لغة الحوار السليمة لأن قناته تختبر قدراته اللغوية قبل إسناد المهمة إليه وتفترض إجادته ليس فقط من باب الحرص على رفع مستوى الحوار الثقافى وإنما بالافتراض الأكثر عملية وهو أنها تقدم برامجها لكافة اللهجات المحلية ولا بد لها من لغة مشتركة يفهمها الجميع وحتى لا تبدو أنها تدير حوارا للطرشان ، لكن الضيوف الكبار لا يعبأون بهذا ، وهى غالبا ليست مسألة عدم اهتمام من الضيف وإنما قد تكون عدم قدرة ..
لكن هذا يهون بجانب تحول لغة الكتابة إلى العامية ، وأنا أتابع مايجرى مثلكم أرى على الإنترنت مهازل أمية الكبار ، وهى أمية جديدة غير تلك التى يفترض أن يكون أصحابها ممن لم ينالوا أى قسط من التعليم ، الأمية الجديدة أصحابها ناس خريجو مدارس وجامعات ..
تتابع أحد العناوين على الإنترنت فتجد أخطاء إملائية فظيعة تكاد تخرق العين وتثير الدهشة ، وهى ليست عفوية أو مطبعية بدليل أنها تتكرر دائما ، والغريب أنها تقع فى كلمات لا يمكن تخيل أنها محل اختلاف أو اشتباه ، يعنى لو كتب أحدهم يحلف يمينا فيكتب "والله العزيم" أو يكتب " أنا ألبى وجعنى" يقصد قلبه ، أو "ركبت الأطر" ، يقصد القطار .. يعنى ماذا هذا؟ ببساطة يعنى أنه لم بقرأ هذه الكلمات من قبل ، حفظها هكذا "سماعى" ثم ترجم ما سمعه بواسطة ما يعرفه من الحروف ، ثم قد يعنى أنه لا يقرأ على الإطلاق لأنه يخطىء فى الكلمات الشائعة
بمناسبة القراءة ، منذ عشرين سنة تقريبا كتبت كتابا وذهبت به للناشر فسألنى كم نسخة تريد طباعتها من كتابك فأجبته 10 آلاف ، وإذا احتجنا نطبع أكثر نصدر طبعة ثانية ، وكأننى رميته بسهم فرد قائلا " 10 آلاف إيه يا أستاذ وطبعة تانية إيه؟" فظننت أن الرجل يفكر بألا يغامر بنشر هذا العدد الهزيل الذى قد لا يحقق ربحا واقترحت عليه "20 ألف كويس؟" .. هنا انفجر ضاحكا وغاضبا فى نفس الوقت فناولنى الضربة القاضية " أعلى مؤلف فى مصر بيوزع 5 آلاف نسخة ، وكان أيامها بقصد محمد حسنين هيكل .. طبعا عرفت قدرى فى ساعتها وتقلصت آمالى المتفائلة إلى 2000 نسخة لكن الرجل نصحنى بطبع ألف نسخة فقط ..
بعدها بعشر سنوات ذهبت بكتاب آخر إلى ناشر آخر ، أكبر هذه المرة ، وسألنى نفس السؤال فأجبته على الفور "2000 نسخة" ، لكنه تردد ، ولم أعرف سر ترده بالضبط إلا عندما قال " 2000 كتير" ، قال أكبر مؤلف فى مصر يوزع 2000 نسخة ، وكان أيامها نجيب محفوظ ، ثم اقترح على تخفيض العدد إلى 500 نسخة فقط ..
بعد عشر سنوات أخرى ، أى هذا العام ، طبعا كنت بطلت حكاية النشر نهائيا ، تابعت حوارا تليفزيونيا وكان ضيفه على ما أذكر جمال الغيطانى مع آخرين ، الجميع يشتكون من نفس الشكوى ، أعلى رقم توزيع لأى كتاب الآن هو 1000 نسخة ..
نعم .. الانخفاض مستمر .. ويبدو أن معارض الكتاب السنوية مجرد ديكور ثقافى كغيره من ديكورات حياتنا الكثيرة
طبعا هذا معناه أن الناس لا يقرؤون ..
الكاتب العملاق حسنين هيكل يخبرنا بأنه لا يكتب مؤلفاته بالعربية ، لا فصحى ولا عامية ، ولا يذهب بها إلى ناشر عربى ولا ينظر أصلا إلى توزيعها فى المنطقة العربية ، هو يكتبها بالانجليزية ، ويصدرها ناشر عالمى يبيع فى أوربا وأمريكا ، وبعدها إذا رغب أحد فى ترجمتها إلى العربية وتحمل مشقة ومغامرة توزيعها لقراء العربية فليكلف أحدا بترجمتها ويأخذ المهمة على عاتقه .. إن نجح نجح وإن خسر خسر
ومع هذا نفاجأ من حين لآخر بأن كتابا ما قد وزع 20000 ألف نسخة ، عشرين ألف ، أو يزيد إلى المائة ألف! لكنك تكتشف أن هذه الكتب الناجحة كتبت بالعامية!!! معقول؟؟؟ هذا هو ما يحدث ..
المشكلة ليست جديدة ، وقد عبر عن قلقه منها أمير الشعراء أحمد شوقى (قبل نحو 90 عاما) عندما قال " أخشى على الفصحى من عامية بيرم" ، وبيرم التونسى لم يكن مجرد شاعر عامية فهناك آلاف ممن يمكن وصفهم بهذا الوصف ، لكن بيرم كان مفكرا وفيلسوفا وثائرا ، ولأنه ينتمى إلى الحس الشعبى فقد اختار مخاطبة الناس بأقصر طريق وكان متمكنا من أدواته تماما ، ولم ينجح أحد فى أن يكون بيرم آخر أو ينافسه فى قمته ، ثم أن شعراء العامية على مجموعهم لا يدخلون عادة فى كتابات أخرى بالعامية ، أى أنها قد اقتصر استعمالها على لون من ألوان الأدب هو الزجل أو الأدب الشعبى وأساسا فن منطوق ولم يجعل للكتابة ، وكذلك على المسرح وفى السينما استخدمت العامية دون أية حساسيات لأنها أشكال فنية ولأنها فى جميع الأحوال لغة منطوقة فى النهاية وتعمل فى وسط ناطق حتى لو كانت أصولها قد طبعت على الورق ، وقد يكون هناك بعض العذر لبرامج التليفزيون أيضا من هذا المنطلق حيث أنه وسط ناطق ، وهيكل نفسه ، على فصاحته ، عندما انتقل إلى وسيلة ناطقة اختار العامية ، كذلك فعل الكاتب جمال الغيطانى وغيره ، وأول من خاطب الناس فى البرامج الدينية باللهجة العامية كان الشيخ متولى الشعرواى ، وهو أستاذ الأساتذة فى الفصحى وقواعدها ، وأشهر السياسيين فى الخروج من النص الفصبح المكتوب إلى الخطاب الدارج المباشر كان الزعيم جمال عبد الناصر
لكن استخدام العامية فى كتب عامة وانتشارها فى الصحافة المكتوبة وإعلانات الطرق وعلى الإنترنت لا يتمتع بنفس المبررات ، فهى مواد مكتوبة مقروءة وستظل هكذا.. هذا هو الفرق

إذا ماذا نسمى هذا ؟ هل هو تلوث ثقافى ، هل هو أحد مركبات الجهل والأمية ؟ هل هو أحد منتجات نظم التعليم الفاشلة؟
كما يقال فإن انتشار المرض أهم من وجوده ، وتحليلى الشخصى للقضية هو أنها دليل عجز وليس دليل عادة أو تفضيل ، ولكن هل القراء الآن يفضلون قراءة العامية؟

يبدو أن الكتاب التقليديين سيظلون مخلصين لأسلوبهم وأن من يكتب بالعامية لم يبدأ إلا هكذا .. سأعطى مثلين ،
أولهما كتاب " عشان ما تتضربش على قفاك" الذى كتبه ضابط شرطة حاول فيه توعية الناس بحقوقهم القانونية .. بدأ بعنوان الكتاب مباشرة .. وبصرف النظر عن الموضوع نتساءل هل كان سيحقق نفس الانتشار لو أنه كتب بالفصحى؟
المثال الثانى كتاب " عايزة اتجوز" لغادة عبد العال ، ونفس السؤال يطرح نفسه ..
ترى ما الذى يجعل العامية أكثر جذبا؟
هناك عدة أسباب أولها الطرافة .. فاستخدام التعبيرات الدارجة ، خاصة الساخرة منها ، تحقق القرب من نفسية القارىء وتدخل إلى ذهنه أسرع لأنها تستخدم الأدوات المعتادة فى الحديث اليومى لعامة الناس
ثانيها الموضوعات التى يطرقها كتاب العامية تكون فى العادة أقرب إلى الحياة اليومية منها إلى تلك التى تحتاج رؤية خاصة أو ثقافة معينة لمتابعتها
ثالثها أن القارىء يشعر بأن الذى يحدثه هو صديقه أو جاره أو زميله فى العمل وليس كاتبا متخصصا فى شيء ، وهذا يحدث نوعا من الألفة بينه وبين الكاتب ، والمباشرة فى الخطاب تشعره بأنه يستطيع الدخول فى حوار مباشر مع هذا الكاتب أو ذاك بما يعنى استخدام اللغة اليومية دون الحاجة لرفع المبتدأ ونصب الخبر ولا إلى المعرفة العالية أو الغنى الثقافى اللازم لمتابعة المكتوب والتفاعل معه

هكذا نجد عدة فئات من الكتاب فى الساحة ،
كتاب الفصحى ،
كتاب العامية ،
كتاب فصحى يتحولون إلى العامية إذا قدمت أعمالهم فى وسائط ناطقة ،
كتاب عامية لا يكتبون كتبا وإنما ينشرون على الإنترنت كتابات متفرقة معظمها فى شكل رسائل أو مدونات
كتاب قد يهجرون الفصحى إلى العامية سعيا وراء الانتشار وقبول القارىء الجديد
كتاب يمزجون بين هذا وذاك

هناك غير هذا أناس يكتبون بلغة جديدة تماما لا هى فصحى ولا عامية ، وهم يستخدمون الحروف الانجليزية فى كتابة ما يودون من الكلمات العربية ، يعنى تكتب من اليسار إلى اليمين ، وتقرأ كذلك لكنها تنطق عربية ، أى ترجمة حرفية من الحروف العربية إلى مقابلها بالحروف الانجليزية دون ترجمة معانى الكلمات ، هذه تنتشر أيضا على الإنترنت ونظرا لعدم مطابقة كامل الأبجدية العربية للانجليزية فقد أضاف مخترعوها أرقاما انجليزية لتحل محل الحروف العربية التى ليست لها نظائر كتابة أو نطقا ، ولا أدرى ما الهدف أو الفائدة من ذلك الاختراع لكنى متأكد تماما من أنه هو الآخر دليل ضعف اللغة الأجنبية أيضا عند الكاتب والقارىء سواء ، حيث أنه لا يوجد ما يمنع الكاتب من كتابة ما يريده بالانجليزية السليمة إذا أجادها ، ولا ما يمنع القارىء من فهمها إذا أجادها هو الآخر ، لكن ما يحير أن كلاهما يصر على استخدام هذا الأسلوب بينما يمكن لهما التواصل مباشرة بالعربية وهما ناطقان بها..!

الخلاصة أصبحنا لا نجيد لغتنا ، ولا اللغة الأجنبية ، ويبقى أن كل من هذه الفئات ستبرر موقفها بشيء مما نوهت عنه فى المقال السابق ، أى أن كل كاتب له جمهوره!
هكذا تفتتت اللغة بل أصبحت عاملا جديدا يساهم فى تكريس الانفصال بدلا من أن تكون عامل توحيد وأداة اتصال
مساء الخير

الثلاثاء، 7 أبريل 2009

مساء الخير Good Evening


مساء الخير
يبدو أنه لابد من الكتابة والحديث إلى الناس ما دام الناس يتحدثون إلينا دون توقف تحت شعار القرن الواحد والعشرين " كلمة لكل مواطن" ولكن لا تبدو المسألة سهلة فى زحمة الناس والآراء ..
على مر التاريخ كان الناس يختلفون ويتفقون حسب ظروفهم ومصالحهم انما الآن تعقدت الأمور لأنه طلعت لنا موضة جديدة تقول ان لكل واحد رأيه الخاص وأسلوبه الخاص ومزاجه الخاص .. إلى آخره من تلك السمات الشخصية فى التعامل مع الآخرين ، وبالتالى أصبح الاجتماع على رأى شبه مستحيل ..
المجتمع يتفرق إلى فئات وطبقات وجماعات وأحزاب .. كل حزب بما لديهم فرحون .. وليذهب الآخرون إلى الجحيم مش مشكلة طالما هذا يحقق الغرض والمصلحة .. والقانون لا يصطاد إلا القليل من المنحرفين ، والعرف غائب عن الوعى
إذا ظهر مطرب فى الساحة يغنى بصوت كالبعير وبكلمات تثير الاشمئزاز تسأله يا عم انت بتغنى لمين عيب كده يقول لك " أنا لى جمهورى" ، وإذا ظهرت مطربة تتعرى وتتلوى وتندهش لماذا تجد صورها على صفحات الجرائد والمجلات مع أهل القمة من المسئولين وأصحاب الامتيازات فقد حازت لقب شخصية القرن أو معجزة الطرب
وإذا تكون حزب سياسى سرعان ما ينشق عنه بعضهم ليعلنوا حزبا جديدا أو على الأقل يدخلون فى صراع على الكراسى والمناصب داخل الحزب مع إنه كله وهم فى وهم ،
فى الكورة والأندية الرياضية الصراع على أشده ولا مانع من استخدام البلطجة إذا لزم الأمر
وفى المدارس أشكال وألوان ، مناهج حكومية ، وأخرى بريطانية وثالثة أمريكية ، وكل واحد وشهادته ، والجامعات أصبحت حكومية وخاصة وبفلوس ومن غير فلوس وبمجموع وبدون مجموع
حتى القضاء أيضا لم يسلم من التحزب .. هناك قضاة " تبع الحكومة" وقضاة معارضون ..
وهكذا ، وكما غنى سيد درويش زمان "الدنيا مالها يا زعبلاوى..شقلبوا حالها وين المداوى"
مساء الخير ..