الأحد، 26 يوليو 2009

زحــام يوليـو 2


هل يمكن أن تستضيف مدينة ، أى مدينة ، مليونين من البشر فى شهرين من السنة دون استعداد بالأماكن والخدمات الكافية لاستيعابهم؟
الجواب واضح ، بدون استعداد ستكون النتيجة الزحام والفوضى وتدهور الخدمات الأصلية التى تكفى بالكاد لسكان المدينة الأصليين ومعاناة أهلها والضيوف على السواء 
الإسكندرية شهدت حركة نمو واضحة خلال العقد الأخير ، صحبها حركة تنظيمية تنموية قوية شملت إنشاء طرق جديدة تربط الأحياء الجديدة وتوسعة هائلة لطريق الكورنيش وبضعة كبارى فى أطراف المدينة ربطت المدينة بالساحل الشمالى الذى شهد بناء منتجعات وقرى سياحية على طول الطريق غربا إلى العلمين (90 كم) وافتتاح مطار جديد إلى الغرب فى منطقة برج العرب تحدثنا عنه فى مناسبات سابقة  
بعض المصطافين سعوا إلى الاصطياف بقرى بالساحل الشمالى (التابع لمحافظة مطروح) هربا من زحمة الصيف فى المدينة العريقة ،  واستفادوا من الطرق الجديدة التى قصد بعضها الساحل مباشرة من القاهرة دون المرور بوسط الإسكندرية
لكن قرى الساحل السياحية التى بدأ بناؤها فى الثمانينات أغلقت ساحل البحر حتى العلمين إلا لساكنيها ، لا يوجد كورنيش أو طريق ساحلى عام ، ولذلك لم يمثل نمو الساحل الشمالى أى امتداد عمرانى طبيعى للإسكندرية ولم يفرج أى من أزماتها اللهم إلا بتخفيف الزحام قليلا رغم أنه لازال يعتمد على كثير من مرافق المدينة 
.
داخل المدينة نجد صورا غريبة للاصطياف 
مئات الألوف من الناس ممن يسمون بمصطافى اليوم الواحد يفترشون الشوارع القريبة من البحر ، يأتون من المحافظات المجاورة ، ومن القاهرة فى الصباح مكدسين فى أوتوبيسات وميكروباصات ليتركوها فى آخر الليل وكثيرون منهم لا يتركونها إلا فى صباح اليوم التالى بعد قضاء الليل على رمال الشاطئ بل وفى مياه البحر يسبحون فى عز الليل ..!
طبعا حجم المخلفات الذى يتركه هؤلاء مهول ولا ذنب لمواطنى المدينة فيه ، وفى الصباح التالى تأتى أفواج جديدة تكرر نفس المناظر
لكن المنظر العام للشواطئ به ظاهرة أخرى أغرب ، فمنذ بضع سنوات قررت المحافظة تشغيل الشواطئ لحسابها ولكن دون فرض رسوم مباشرة على الجمهور لتفادى مشاكل كثيرة منها صعوبة جمع الإيرادات بصفة يومية ، فاختارت تأجير الشواطئ لمتعهدين قطاع خاص نظير رسوم شاملة تدفع للمحافظة مقابل إطلاق يد المتعهد فى كيفية إدارة الشاطئ بدءا من توفير الخدمات إلى تسعيرها ، مع هذا خصصت المحافظة 10% مساحة مجانية من كل شاطئ للجمهور 
النتيجة كانت إحجام الغالبية عن التعامل مع المناطق الخاصة (90%) والتكدس بالمناطق المجانية ، أصبح المنظر مضحكا ، ففى عز الموسم الصيفى تجد أغلب الشواطئ فارغة تقريبا بينما تكتظ المساحات المجانية الضيقة والأرصفة المجاورة بجمهور غفير يأكل على الأرض ويغير ملابسه بعرض الشارع ويرمى مخلفاته بجانبه 
هذا الجمهور لا يفيد المدينة فى شيء مقابل هذا الزحام الفوضوى ، فهم لا يستأجرون شققا ولا يركبون التاكسيات ولا يرتادون المطاعم ولا المقاهى ولا يشترون شيئا من أسواق المدينة ، حتى طعامهم يحضرونه معهم 
أضف إلى هذا عدة أضرار تصيب مواطنى المدينة مباشرة ، الضجيج المستمر بالطبل والزمر والكاسيتات والصياح ، أكوام المخلفات ، إعاقة المرور ، سلوكيات غير منضبطة ، إلى آخره .. 
هناك أيضا ظاهرة غريبة تنظمها نقابات وشركات حكومية ، فبعض مدارس الإسكندرية تحتلها أفواج من المصيفين تستعمل فصولها ومرافقها كسكن مؤقت ، وأصبح منظرا معتادا أن تشاهد حبال الغسيل بين الفصول ينشرون عليها ملابسهم وفى نفس الوقت الإدارة شغالة عادى وتقديم الطلبات عادى والمجموعات الدراسية وفصول التقوية والأنشطة "الصيفية" ومحو الأمية إلى آخره ، كل هذا فى مبانى تحتاج إلى إصلاحات وترميم وصيانة ، وحتى يبدأ العام الدراسى الجديد يكون كل شيء قد هلك ، فوق هلاكه القديم فيدخل الطلاب الجدد إلى مبنى لا يدعو للاحترام فضلا عن الانتماء 
من المعروف عن أهالى الإسكندرية منذ زمن طويل أنهم لا يستمتعون بالبحر إلا فى شهر سبتمبر أى بعد أن يخف الزحام ، لكن الجديد أن هذا الزحام أصبح لا يخف ، فالصيف عند هذا الجمهور يبدأ مبكرا ربما مع شم النسيم فى أبريل إلى أكتوبر ، وما المشكلة إذا كان التصييف يستغرق يوما واحدا لا تعيقه أية ارتباطات أو امتحانات أو نتائج أوأعمال 
أما ليل الصيف فى الإسكندرية فيدعو للعجب ، الزحام بالليل لا يختلف عن النهار ، فالمصطافون ساهرون فى الشوارع ، والسيارات تجوب الكورنيش بسرعات متهورة فى غياب الرقابة المرورية الليلية،  وحفلات حتى الصباح فى كل مكان ، والمدينة أصبحت لا تهدأ ولا تنام ، لا الطالب يستطيع المذاكرة ولا المريض يتمكن من الراحة ولا أحد يذهب إلى عمله فى الصباح فى موعده 
هناك قطاعات فى المدينة شهدت نموا هائلا مثل الفنادق الجديدة والمولات الضخمة التى تجذب المزيد من الجمهور وتزيد من حركته ، وهى مرافق كبرى تحتاج إلى بنية أساسية قوية ، ربما مستقلة ، من كهرباء ومياه وتليفونات ونظافة لكنها تعتمد على مرافق المدينة العادية والقديمة التى لا تتحمل المزيد ، وإذا أضفنا إليها الأبراج السكنية الجديدة ، المخالفة فى معظمها لتنظيمات المبانى الرسمية والقانونية والتى تستعمل نفس المرافق التى مضى على إنشائها عشرات السنين بطاقة استيعاب محدودة نصل إلى مقارنة مزعجة بين طاقة المرافق المتاحة والمرافق المطلوبة  
هذه بعض صور الصيف فى الإسكندرية فماذا تحتاج للتخلص من هذا التخلف والتسيب وعدم الانضباط؟ 
من المؤكد أن جانب كبير من هذه الصور مسئولية الأجهزة الإدارية والتنفيذية على مستوى الدولة والمحافظة ، لكن هناك جانبا سلوكيا مصدره البشر ، ولابد من حل للمصطاف الذى يأتى إلى المدينة معتبرا نفسه فى أجازة من كل شيء حتى الانضباط العام من المظهر إلى الملبس إلى السهر إلى الضجيج إلى النظافة إلى آخره مما لا يجرؤ على مخالفته فى موطنه الأصلى !
مساء الخير .. 

الجمعة، 24 يوليو 2009

زحــام يوليـو

فى شهر يوليو من كل عام عدة تواريخ ومناسبات علمناها وحفظناها
تبدأ التواريخ بالرابع من يوليو ، العيد الوطنى الأمريكى ، ثم الرابع عشر من يوليو ، العيد الوطنى الفرنسى ، ثم الثالث والعشرين من يوليو ، العيد الوطنى المصرى والسادس والعشرين من يوليو عيد الإسكندرية القومى يوم خروج الملك من مصر
أما المناسبات فهى نتيجة الثانوية العامة وأخبار المصايف والمنتجعات والساحل الشمالى والساحل الجنوبى (نعم يوجد ساحل جنوبى هو بحيرة ناصر ) يعنى أخبار الفيضان ومنسوب النيل
يقال أن شهر يوليو سمى باسم الإمبراطور يوليوس قيصر ، وتبعه إمبراطور رومانى آخر بتسمية الشهر التالى باسمه هو الإمبراطور فيليب أغسطس (!)
أما ما يهمنى من شهر يوليو فهو أنه شهر الأجازات ، وكذلك أغسطس طبعا ، والأجازات تعنى مليونان من البشر يفيضون إلى المدينة المظلومة الإسكندرية ، وهم يأتون بغرض السياحة والترفيه ، أهلا وسهلا ، ولكن ، بصراحة ، وهذه الأيام بالذات ، فرغم الترحيب بهم من أصحاب المصالح فى الرواج السوقى ، إلا أن غالبية السكندريين يتنفسون الصعداء برحيلهم ، إذ أن هذه الأغلبية لا ينوبها من أفواج المصيفين غير الصداع والغلاء والزحمة وقلة الراحة
لماذا؟ الأسباب كثيرة .. دعونا نفحصها واحدة واحدة .. ولعل كل منا له وجهة نظره .. ربما نصل إلى حل أو حلول لهذا الأرق
مساء الخير ..
.