الجمعة، 24 أغسطس 2012

سقوط جدار برلين فى سيناء


سقوط جدار برلين فى سيناء

هذا العام تمر خمسون سنة على إنشاء جدار برلين الشهير

أقيم جدار برلين فى أغسطس عام 1961 وتم بإنشائه تقسيم العاصمة الألمانية برلين إلى برلين الشرقية الواقعة تحت الاحتلال السوفييتى وبرلين الغربية التى تعيش تحت احتلال التحالف الغربى

وتعود قصة تقسيم العاصمة الألمانية إلى عام 1945 إثر سقوط ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية ثم تقسيم ألمانيا عام 1949 إلى ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية ، واتخذت كل دولة قسما من العاصمة الألمانية عاصمة لها حيث تم فصل القسمين على خطوط توقف القوات الغازية

ظهرت مفارقة كبرى بتجاور نظامين  سياسيين متضادين هما الاشتراكي والرأسمالي في مدينة واحدة وبدأ الباحثون عن الحرية يغادرون ألمانيا الشرقية

عام 1961 قرر البرلمان الألمانى الشرقى إغلاق الحدود بين قسمى المدينة وقطع طرق الاتصال بينهما لمنع هجرة الآلاف من القوى العاملة وتشييد جدار خرساني تكلف إنشاؤه 150 مليون دولار ، امتد 106 كيلومترا عليها 300 مركزا للمراقبة

ورغم ذلك لم تتوقف محاولات الهجرة والفرار من المانيا الشرقية التى تقبع تحت نظام حديدى بما فيها حفر الأنفاق تحت الجدار ، لكنها أصبحت محفوفة بالمخاطر حيث كانت هناك أوامر صريحة لجنود المراقبة بقتل كل من يحاول النفاذ من الجدار ، وفقد 960 شخصا حياتهم أثناء تلك المحاولات

في مطلع التسعينات شهد الاتحاد السوفيتي عملية تحول ديمقراطى ترأسها ميخائيل جورباتشوف الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي صاحبها مظاهرات كبيرة تنادى بالحرية فى دول أوربا الشرقية بما فيها ألمانيا اضطرت معها حكومة ألمانيا الشرقية إلى فتح الحدود بين برلين الشرقية و وبرلين الغربية . وتوجهت  الجماهير الألمانية  من الجهتين إلى الجدار لهدمه وتفكيكه الى قطع تحولت الى هدايا تذكارية

 

هذه الرحلة التى استمرت 40 عاما تتشابه فى كثير من فصولها مع ما حدث فى سيناء خلال 40 عاما أخرى منذ 1973 حتى 2012

فقد تم بناء على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منع القوات المصرية من التواجد فى سيناء بطريقة طبيعية لممارسة حق السيادة وتحددت أعداد وأنواع القوات والعتاد المسموح لها بدخول سيناء

ظلت الأمور مستقرة رغم هذا الانتقاص من السيادة المصرية على جزء من أرض مصر لاعتبارت تتعلق بمنع نشوب الحرب وتفادى الاحتكاك بين القوات ، وكان لكل من مصر وإسرائيل سببا استراتيجيا فى القبول بالمعاهدة التى بموجبها ستنسحب إسرائيل من سيناء التى احتلتها عام 1967 وتتعهد مصر بالاعتراف بدولة إسرائيل والقبول بتحديد تواجد قواتها فى سيناء

كان السبب الأهم فى قبول إسرائيل بالانسحاب من سيناء بعد احتلالها 15 عاما هو نجاح مصر فى حرب أكتوبر  عام 1973 فى عبور قناة السويس والانتصار فى المعركة رغم المانع المائى الممتد 180 كم وتحصين خط بارليف المنيع ، ومن ثم إدراك إسرائيل لعبثية التواجد العسكرى فى سيناء مع سقوط نظرية الأمن الإسرائيلى بتأمين مانع جغرافى لحدودها على قناة السويس

أما السبب فى قبول مصر بتحديد القوات هو إدراك قادة الجيش المصرى بخطورة تواجد أعداد كبيرة من القوات المكشوفة للطيران الإسرائيلى فى سيناء بعد تجارب مريرة ومؤلمة وخسائر جسيمة منى بها الجيش المصرى فى حروب سابقة لهذا السبب

 

بعد 40 عاما يكتشف الطرفان أن سيناء الخالية أصبحت مرتعا لحركات التطرف والإرهاب التى أصبحت مصدر خطر للجانبين ، وتصبح الحاجة للسيطرة ملحة

يدخل الجيش المصرى إلى المناطق المتاخمة لحدود إسرائيل لفرض السيطرة واستعادة الأمن بأفراده ومدرعاته وسلاحه الجوى بقبول إسرائيلى تام لعمليات إعادة انتشار الجيش المصرى داخل سيناء بل وبترحيب بقيام الجيش المصرى بعمليات التطهير التى ستوفر الأمن لكل من الجانبين ولن تكلف الطرف الإسرائيلى شيئا ، فالمصلحة المصرية صادفت مصلحة إسرائيلية ، وستظل إسرائيل فى حاجة لتواجد الجيش المصرى فى سيناء لأسباب تتعلق بأمنها ، وهذا يعنى أن استعادة السيطرة العسكرية المصرية الكاملة على سيناء ستجعل من البنود العسكرية فى معاهدة السلام حبرا على ورق

لكن التحرك المصرى لن يتوقف عند التحرك العسكرى ، ستشهد سيناء حياة جديدة لم تتعودها فى العهود السابقة

ستضخ الأموال فى مشروعات تنمية سيناء ، وسيتم إدماج سكانها فى الحياة المصرية كما تجرى فى وادى النيل ، وسينال أبناؤها حقوقا أكثر ومزايا أكبر وسيهدف كل ذلك إلى هدف واحد تأخر كثيرا هو إعمار سيناء

سيتكلف إعمار سيناء الكثير ، لكنها أيضا ستكون تكلفة استراتيجية هامة تنعكس آثارها بالإيجاب على مصر كلها ، وستشهد منطقة سيناء وقناة السويس تحولات اقتصادية كبرى فى ظل حماية الاستثمار بعد استرداد السيادة الكاملة على سيناء وتأمين طرق مواصلاتها ومنشآتها الجديدة



فى المنطقة العربية فقد تكررت قصة انقسام برلين فى مدينة القدس فى حرب 1967 ، حتى على الصعيد العسكرى فالمتأمل لخريطة الدولتين الألمانيتين يرى منطقة متقدمة عن بقية الأراضى الغربية تتجه نحو العاصمة وتتوقف فى وسط المدينة

فى القدس أيضا حدث شيء مماثل وهو تقدم المنطقة الوسطى من الضفة الغربية عن بقية الأراضى باتجاه مدينة القدس وتوقفها عند وسط المدينة

ما حدث هو انعكاس لتقدم القوات فى الحالتين لاحتلال مدينة كهدف استراتيجى حتى وإن لم يكن احتلالا كاملا ، وحيث أن سقوط مدينة فى المعارك العسكرية هو من علامات السيطرة والانتصار

وفى الحالتين ركز الجانب الغربى على دخول المدينة الهدف أكثر من الأراضى مهما امتدت ، وبتكلفة أقل وفى وقت أسرع يستطيع إعلان سيطرته عليها مما يجعله فى موقف سياسى أقوى يستطيع به فرض شروطه

وقد تركت إسرائيل الضفة الغربية واتجهت رأسا نحو القدس ولتضمها لاحقا إلى الدولة الإسرائيلية الرسمية ، وبعد توقف القتال أصبحت خطوط توقف القوات هى الحدود الجديدة

واتبعت إسرائيل أيضا سياسة بناء الجدار الفاصل فى مناطق أخرى لتحمى حدودها من انتشار الشعب الفلسطينى

وقد سقط جدار برلين ، وسقط جدار سيناء فهل يأتى يوم تزول فيه الحدود بين القدس الشرقية والقدس الغربية؟