الأحد، 22 يناير 2012

قراءة فى القسم الجمهورى

قراءة فى القسم الجمهورى !!
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً علي النظام الجمهورى ، وأن أحترم الدستور والقانون وأرعي مصالح الشعب"

بهذا القسم الشهير يبدأ الحاكم الجديد حكم البلاد ، ومعه فرقة من الأشخاص الذين يختارهم لمعاونته فى هذه المهمة ، وعادة يوجههم كيفما شاء فهم يدينون له بالولاء ويطيعونه مهما فعل ، ولا عجب فهو الرئيس المطلق والحاكم الأوحد وفى يده كل السلطات وكل المنح والعقوبات
تكشف لنا قراءة نص هذا القسم الشهير بعض المفارقات التى لا ندرى كيف تم تمريرها والسكوت عليها لعقود طويلة
وبينما سنركز هنا على الحالة فى مصر نعلم أن هناك تشابها كبيرا بينها وبين تلك فى دول عربية عديدة اختارت النظام الجمهورى بعد أن عانت كثيرا من النظم الملكية المستبدة ، ومن المعلوم أيضا أن ما يحدث فى مصر يتم استنساخه فى غيرها ولو بعد حين .. فى السياسة كما فى الاقتصاد وفى الإصلاح كما فى الفساد

1. عبارة " النظام الجمهورى" فى هذا القسم قصد بها إنهاء الولاء للنظام الملكى الذى أطاحت به ثورة يوليو ، وكان قسم الولاء الملكى يقول " أحلف بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية "

2. بينما يذكر القسم الملكى "الأمة المصرية" لا يشير القسم الجمهورى إلى اسم البلد الذى يحلفون من أجله!

3. هناك خلط فى الواقع بين القسم على الولاء للأمة والولاء لـ "النظام"

4. مع تغير رأس النظام أصبح مصطلح النظام يشار به إلى شخص الحاكم أو إلى الفئة الحاكمة وليس إلى طريقة الحكم ، مثلما أشير إلى نظام عبد الناصر ، نظام السادات ، نظام مبارك ، نظام القذافى ، نظام الأسد ، نظام البشير ، نظام عبد الله صالح ، نظام الملالى فى إيران ، نظام البعث فى سوريا والعراق وهكذا .. رغم أن هذه كلها جمهوريات

5. فى حالات متعددة ظهرت محاولات لتوريث الحكم فى الجمهوريات ، بعضها نجح مثلما حدث فى سوربا وبعضها فشل كما حدث فى مصر وليبيا واليمن ، رغم أن مبدأ التوريث هو مبدأ مضاد تماما لفكرة وفلسفة الحكم الجمهورى ، بل إن الجمهوريات جاءت فى هذه البلاد بحركة رافضة للتوريث الملكى الأصل

6. عند حلف اليمين "الدستورية" ، يحدث اللبس الكبير بين الولاء للنظام الجمهورى بمعنى عدم توريث الحكم والولاء للحاكم الذى أصبح النظام يسمى باسمه

7. يضاف إلى قسم الرئيس قسم النواب والوزراء الذين يؤدون نفس اليمين بما فيهم وزراء الدفاع ، أى إقحام الجيش فى مسألة الولاء للحاكم وهو ما ليس من وظيفته بالمرة وهو ما يتسبب فى الحرج الكبير الذى يواجه القادة العسكريين عند حدوث أزمة دستورية أو خلاف سياسى أو ثورة شعبية ويوقعهم فى الاختيار الصعب بين تأييد الحاكم وإطاعة أوامره أو اتخاذ جانب آخر قد يرون أنه فى مصلحة البلاد ، بل إن من شأن هذا الموقف إحداث انقسام أحيانا بين صفوف القوات المسلحة فى أى بلد حسب اختلاف الرأى والاعتقاد فيما أقسموا عليه وهل كان ذلك ولاء للشعب والوطن أم للحاكم الذى يوصف أحيانا بالشرعية حتى ولو شطح ونطح

8. لم يلتزم الحكام الجمهوريون بهذا القسم ، وسرى عدم الالتزام هذا من أول احتكار السلطة إلى توريثها إلى ضرب المعارضة بل وإلى توظيف الإعلام والمناهج الدراسية لتكريس حكمهم وأشخاصهم مما يتعارض أساسا مع مبادئ النظام الجمهورى

9. فى مصر بالذات فى عهد مبارك حدثت أخطر مخالفة دستورية شهدتها البلاد فى العصر الجمهورى وتحت مظلته وباسمه .. فقد تعمد نظام مبارك إدخال رجال الأعمال إلى السلطة بتعيينهم مباشرة فى مناصب وزارية بالمخالفة لنص الدستور الذى يحرم الجمع بين العمل السياسى والعمل التجارى ، فضلا عن أن هؤلاء الرجال قد تم صنعهم بواسطة السلطة أصلا إذ لم تكن لهم أية أموال ولا أعمال قبل تولى مبارك الحكم ولا يمكن بأى حال أن يتم لهم جمع ثروات مليارية من العمل الحر فى سنوات معدودة ، ورغم أن الهدف من صنعهم كان إيجاد واجهة غير سياسية لتضخم ثروات العائلة الحاكمة فقد توحش رجال الأعمال إلى درجة التحكم فى الأنشطة السياسية العامة كانتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة نفسها وفى سن القوانين وتعديلها وإلغائها وفى تعديل الدستور وفى تحجيم المعارضة أو قتلها ، وأصبحوا هم أصحاب الكلمة فى اختيار الرئيس القادم وتوجيه البلاد حسبما يرون ولمصالحهم دون أى مراعاة لمصالح الأغلبية الشعبية

10. أين القسم من كل هذا؟
أين الحفاظ على النظام الجمهورى والتوريث يهدمه؟
وأين الولاء للأمة والحاكم يعيث فسادا ويخالف كل منطق ولا يعبأ برأى ولا يقيم للعدل دولة؟
وأين رعاية مصالح الشعب والشعب يزداد فقرا وجهلا ومرضا وضعفا ؟
هل صدق الذين أقسموا " أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً علي النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون وأرعي مصالح الشعب"؟
لهذا يجب تغيير القسم ، والحكام ، وربما الشعب أيضا ..
الشعب بدأ تغيير ما بنفسه ، وأجبر الحكام على الرحيل .. بقى أن نغير القسم ..
يجب أن لا تتكرر مأساة التداخل بين "الحفاظ على النظام" والحفاظ على "رجال النظام" ضد مصالح الأمة بدعوى الانحياز للشرعية المنتخبة ، مزورة كانت أو سليمة ، فنحن كلنا بشر وابن آدم خطاء ، ومن المحتمل المنطقى أن يخطئ الحاكم أو يفشل أو يفسد أو ينحرف ، فإذا نص الدستور على أن نظام الحكم جمهورى لا تصبح هناك ضرورة لتكرار كلمة "النظام" فى القسم حتى لا يساء تفسيرها بواسطة الفئة الحاكمة أو جيش البلاد قصدا أو عن غير قصد ، وسيكفى القسم باحترام الدستور للدلالة على ما تضمنه من أسلوب الحكم الجمهورى
لهذا نطالب بأن ينص الدستور الجديد على قسم واضح ومحدد يخلو من كلمة "النظام" ..
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ على مصر وأن أرعى مصالح الشعب المصرى ، وأن أحترم الدستور والقانون ، وأن أمثل للمساءلة القانونية فى حال مخالفة ذلك"
مساء الخير ..