الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

احتمالات التدخل العسكرى العربى فى سوريا



 الرئيسان جمال عبد الناصر وشكرى القوتلى 
يعلنــان الوحــدة بين مصــر وسوريا 1958

احتمالات التدخل العسكرى العربى فى سوريا
انقسم الرأى العام العربى حول تأييد أو رفض التدخل العسكرى العربى لحل الأزمة السورية بالقوة

هناك أزمة حادة فى سورية نعم
هناك قتلى وجرحى بالآلاف نعم
هناك مئات الألوف من اللاجئين والمشردين نعم
أليس هناك حلول أخرى غير التدخل العسكرى السافر؟

ماذا يمكن أن يقدم التدخل العسكرى العربى فى سورية؟
ماهى أهدافه وما هى أدواته وآلياته؟
ما هو شكله؟ هل فى إطار الجامعة العربية؟
هل بقوات مشتركة بين دول عربية بعينها خارج إطار الجامعة؟
هل بقوات من دولة واحدة قادرة على التدخل كدخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976؟

هل تتدخل القوات لفك الاشتباك بين النظام والثوار؟
هل تتدخل لصالح الثوار ضد النظام؟
ماذا ستفعل تلك القوات بالضبط؟ هل ستكتفى بمجرد التواجد هناك؟ وأين على أرض سورية؟
هل ستسمح لها قوات النظام بالدخول؟ أم أن الصدام واقع لا محالة باعتبارها قوات غازية؟
هل ستطلق النار وتقتل وتصيب وتشرد آلافا أخرى من البشر؟

هل ستحذو حذو الناتو فى حماية المدنيين فى ليبيا؟
هل ستنطلق طائرات حربية عربية لضرب أهداف فى دمشق وحلب وبقية المدن السورية؟

وإذا كان هذا كله له ما يبرره من سيدفع فاتورة هذه الحرب؟ أفرادا وعتادا وخرابا وإعادة إعمار؟
وإذا وجدت من يدفع الفاتورة المادية 
فمن يدفع الفاتورة النفسية للمواطن العربى والكيان العربى لأجيال قادمة؟

إذا كان ما يحدث فى سورية هو حرب أهلية على أرض سورية 
فهل نريد تحويلها إلى حرب أهلية بين كل العرب؟

ألم تكفنا الحروب الأهلية فى العراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر وفلسطين؟

ولو وجد الحل العسكرى العربى مبررات لهذا 
كله فمن الذى سيقوم بالعمل العسكرى على أرض الواقع؟
بالونات الاختبار تطلق كل يوم
بدأت بإرسال قوات مصرية ، ثم بقوات عربية مشتركة ، ثم بقوات عربية تركية

هناك تيار قوى داخل مصر يعارض الزج بالقوات المصرية فى هذه الأزمة
وأمامه عرضت الرئاسة المصرية التدخل ضمن قوات عربية
لكن الواقع يقول أنه لا توجد جيوش حقيقية فى المنطقة العربية غير الجيش المصرى
كلها جيوش أنهكتها الصراعات السابقة والحالية
فضلا عن أنها جيوش هزيلة أصلا لا تصلح حتى للدفاع عن موطنها الأصلى
إذاً فهى حيلة أو غطاء سياسى فقط حتى لا يقال أن مصر قد غزت سوريا عسكريا فى عمل منفرد

وكيف يقبل جيش مصر القيام بهذه المهمة الشائكة؟
ولو قبلها كيف يكون له ذلك وهو منشغل فى سيناء بمهمة عسكرية لم تكتمل بعد؟
هل ستنجح المهمة؟
هل ستقف إيران على الحياد؟ أم أنها ستطلق صواريخها بعيدة المدى الى تستعرضها صباح مساء؟
هل نعلن الحرب على إيران؟


شخص واحد فى مصر هو الذى يملك سلطة إصدار القرار بالتحرك العسكرى هو رئيس الجمهورية
وهو الذى منحها لنفسه بعد إزالة نفوذ المجلس العسكرى

ورغم أن مثل هذا القرار يتطلب تقليديا وتاريخيا تفويض مجلس الشعب
ولأنه لا يوجد حاليا برلمان فى مصر
ولأن الرئيس قد منح نفسه أيضا سلطات مجلس الشعب
فإنه لن يكون هناك أية جهة رسمية يمكنها تقييد هذه السلطات

وعلى قدر السلطات تكون المسئولية
وعلى قدر المسئولية يكون الحساب

ولو صدر أمر رئاسى للجيش المصرى بالتدخل فى سورية رغم أنف الشعب المكبل بالهموم
هل يعرف أحد مقدما نتيجة هذا؟

ماذا سيكون الثمن؟
سيكون الثمن باهظا على الجميع .. الجيش .. والشعب .. والرئيس 

الجمعة، 24 أغسطس 2012

سقوط جدار برلين فى سيناء


سقوط جدار برلين فى سيناء

هذا العام تمر خمسون سنة على إنشاء جدار برلين الشهير

أقيم جدار برلين فى أغسطس عام 1961 وتم بإنشائه تقسيم العاصمة الألمانية برلين إلى برلين الشرقية الواقعة تحت الاحتلال السوفييتى وبرلين الغربية التى تعيش تحت احتلال التحالف الغربى

وتعود قصة تقسيم العاصمة الألمانية إلى عام 1945 إثر سقوط ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية ثم تقسيم ألمانيا عام 1949 إلى ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية ، واتخذت كل دولة قسما من العاصمة الألمانية عاصمة لها حيث تم فصل القسمين على خطوط توقف القوات الغازية

ظهرت مفارقة كبرى بتجاور نظامين  سياسيين متضادين هما الاشتراكي والرأسمالي في مدينة واحدة وبدأ الباحثون عن الحرية يغادرون ألمانيا الشرقية

عام 1961 قرر البرلمان الألمانى الشرقى إغلاق الحدود بين قسمى المدينة وقطع طرق الاتصال بينهما لمنع هجرة الآلاف من القوى العاملة وتشييد جدار خرساني تكلف إنشاؤه 150 مليون دولار ، امتد 106 كيلومترا عليها 300 مركزا للمراقبة

ورغم ذلك لم تتوقف محاولات الهجرة والفرار من المانيا الشرقية التى تقبع تحت نظام حديدى بما فيها حفر الأنفاق تحت الجدار ، لكنها أصبحت محفوفة بالمخاطر حيث كانت هناك أوامر صريحة لجنود المراقبة بقتل كل من يحاول النفاذ من الجدار ، وفقد 960 شخصا حياتهم أثناء تلك المحاولات

في مطلع التسعينات شهد الاتحاد السوفيتي عملية تحول ديمقراطى ترأسها ميخائيل جورباتشوف الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي صاحبها مظاهرات كبيرة تنادى بالحرية فى دول أوربا الشرقية بما فيها ألمانيا اضطرت معها حكومة ألمانيا الشرقية إلى فتح الحدود بين برلين الشرقية و وبرلين الغربية . وتوجهت  الجماهير الألمانية  من الجهتين إلى الجدار لهدمه وتفكيكه الى قطع تحولت الى هدايا تذكارية

 

هذه الرحلة التى استمرت 40 عاما تتشابه فى كثير من فصولها مع ما حدث فى سيناء خلال 40 عاما أخرى منذ 1973 حتى 2012

فقد تم بناء على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منع القوات المصرية من التواجد فى سيناء بطريقة طبيعية لممارسة حق السيادة وتحددت أعداد وأنواع القوات والعتاد المسموح لها بدخول سيناء

ظلت الأمور مستقرة رغم هذا الانتقاص من السيادة المصرية على جزء من أرض مصر لاعتبارت تتعلق بمنع نشوب الحرب وتفادى الاحتكاك بين القوات ، وكان لكل من مصر وإسرائيل سببا استراتيجيا فى القبول بالمعاهدة التى بموجبها ستنسحب إسرائيل من سيناء التى احتلتها عام 1967 وتتعهد مصر بالاعتراف بدولة إسرائيل والقبول بتحديد تواجد قواتها فى سيناء

كان السبب الأهم فى قبول إسرائيل بالانسحاب من سيناء بعد احتلالها 15 عاما هو نجاح مصر فى حرب أكتوبر  عام 1973 فى عبور قناة السويس والانتصار فى المعركة رغم المانع المائى الممتد 180 كم وتحصين خط بارليف المنيع ، ومن ثم إدراك إسرائيل لعبثية التواجد العسكرى فى سيناء مع سقوط نظرية الأمن الإسرائيلى بتأمين مانع جغرافى لحدودها على قناة السويس

أما السبب فى قبول مصر بتحديد القوات هو إدراك قادة الجيش المصرى بخطورة تواجد أعداد كبيرة من القوات المكشوفة للطيران الإسرائيلى فى سيناء بعد تجارب مريرة ومؤلمة وخسائر جسيمة منى بها الجيش المصرى فى حروب سابقة لهذا السبب

 

بعد 40 عاما يكتشف الطرفان أن سيناء الخالية أصبحت مرتعا لحركات التطرف والإرهاب التى أصبحت مصدر خطر للجانبين ، وتصبح الحاجة للسيطرة ملحة

يدخل الجيش المصرى إلى المناطق المتاخمة لحدود إسرائيل لفرض السيطرة واستعادة الأمن بأفراده ومدرعاته وسلاحه الجوى بقبول إسرائيلى تام لعمليات إعادة انتشار الجيش المصرى داخل سيناء بل وبترحيب بقيام الجيش المصرى بعمليات التطهير التى ستوفر الأمن لكل من الجانبين ولن تكلف الطرف الإسرائيلى شيئا ، فالمصلحة المصرية صادفت مصلحة إسرائيلية ، وستظل إسرائيل فى حاجة لتواجد الجيش المصرى فى سيناء لأسباب تتعلق بأمنها ، وهذا يعنى أن استعادة السيطرة العسكرية المصرية الكاملة على سيناء ستجعل من البنود العسكرية فى معاهدة السلام حبرا على ورق

لكن التحرك المصرى لن يتوقف عند التحرك العسكرى ، ستشهد سيناء حياة جديدة لم تتعودها فى العهود السابقة

ستضخ الأموال فى مشروعات تنمية سيناء ، وسيتم إدماج سكانها فى الحياة المصرية كما تجرى فى وادى النيل ، وسينال أبناؤها حقوقا أكثر ومزايا أكبر وسيهدف كل ذلك إلى هدف واحد تأخر كثيرا هو إعمار سيناء

سيتكلف إعمار سيناء الكثير ، لكنها أيضا ستكون تكلفة استراتيجية هامة تنعكس آثارها بالإيجاب على مصر كلها ، وستشهد منطقة سيناء وقناة السويس تحولات اقتصادية كبرى فى ظل حماية الاستثمار بعد استرداد السيادة الكاملة على سيناء وتأمين طرق مواصلاتها ومنشآتها الجديدة



فى المنطقة العربية فقد تكررت قصة انقسام برلين فى مدينة القدس فى حرب 1967 ، حتى على الصعيد العسكرى فالمتأمل لخريطة الدولتين الألمانيتين يرى منطقة متقدمة عن بقية الأراضى الغربية تتجه نحو العاصمة وتتوقف فى وسط المدينة

فى القدس أيضا حدث شيء مماثل وهو تقدم المنطقة الوسطى من الضفة الغربية عن بقية الأراضى باتجاه مدينة القدس وتوقفها عند وسط المدينة

ما حدث هو انعكاس لتقدم القوات فى الحالتين لاحتلال مدينة كهدف استراتيجى حتى وإن لم يكن احتلالا كاملا ، وحيث أن سقوط مدينة فى المعارك العسكرية هو من علامات السيطرة والانتصار

وفى الحالتين ركز الجانب الغربى على دخول المدينة الهدف أكثر من الأراضى مهما امتدت ، وبتكلفة أقل وفى وقت أسرع يستطيع إعلان سيطرته عليها مما يجعله فى موقف سياسى أقوى يستطيع به فرض شروطه

وقد تركت إسرائيل الضفة الغربية واتجهت رأسا نحو القدس ولتضمها لاحقا إلى الدولة الإسرائيلية الرسمية ، وبعد توقف القتال أصبحت خطوط توقف القوات هى الحدود الجديدة

واتبعت إسرائيل أيضا سياسة بناء الجدار الفاصل فى مناطق أخرى لتحمى حدودها من انتشار الشعب الفلسطينى

وقد سقط جدار برلين ، وسقط جدار سيناء فهل يأتى يوم تزول فيه الحدود بين القدس الشرقية والقدس الغربية؟

السبت، 16 يونيو 2012

هل أوشك الربيع العربى أن يثمر فى مصر؟


هل أوشك الربيع العربى أن يثمر فى مصر؟
بقى على إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية فى مصر ساعات معدودة
والسؤال هو هل هذه الانتخابات من ثمار الربيع العربى؟  
رغم كل مظاهر التوتر والاستقطاب السياسى فى الساحة المصرية لا يمكن تجاهل تحول مفهوم الحكم لدى الشعب المصرى من الحكم المتسلط القائم على القوة والأمر الواقع إلى الحكم المفوض المبنى على إرادة شعبية حرة
انتقل المصريون لأول مرة فى تاريخهم من طاعة الحاكم إلى صناعة الحاكم ، ومن فرض السيادة على الشعب إلى فرض إرادة الشعب
لأول مرة نشهد مرشحين للرئاسة كل منهم يتودد إلى الناس ويتعهد بتحقيق مطالبهم ، ونشهد لأول مرة انتخابات رئاسية لا تعرف نتيجتها مقدما ، ويمكن لصوت فرد واحد أن يتجه بالنتيجة يمينا أو يسارا كيفما شاء
ما يجرى الآن فى مصر هو تحول نوعى بكل المقاييس فى طريقة الوصول إلى الحكم وفى كيفية ممارسته ، فالشعب أصبح يختار من يفوضه لإدارة البلاد ولمدة محددة يعاد بعدها تقييم أدائه ثم يقرر مصيره ، إن أخطأ عزله وإن أصاب أبقى عليه لفترة أخرى محدودة وليس للأبد
أصبحت الأسماء لا تهم كثيرا الآن ، بل أصبح الأداء هو المحك ، وضمان حرية الناس هو الفيصل
صوت الناخب أصبح هو سيد الموقف ، وتتساوى الأصوات لا فرق بين فقير وغنى ، أمى ومثقف ، رجل وامرأة أو بين رأى أو آخر ..
سيتعلم الحكام القادمون أن احترام رأى الشعب هو الطريق إلى قمة الهرم ، وأن اعتلاء الهرم لن يأتى بالهبوط من السماء وإنما بالتعلق بكل حجر فيه
هذه هى أول ثمار الربيع العربى .. والبقية تأتى ..
مساء الخير ..

الجمعة، 25 مايو 2012

موسيقى الربيع العربى فى المركز الأول

على القائمة العالمية فى سباق ساوند كليك بين 76,837 أغنية
تأليف د.أسامة عفيفى
أداء أوركسترا الإسكندرية
25 مايو 2012 
الربيــع العــربى     Arab Spring

الأحد، 13 مايو 2012

الدجل السياسى

يتعجب المرء حين يرى الناس يمر عليهم الدجل مرور "الكرام" بلا تعليق ، بلا تفكير .. بلا أى تأمل أو حتى توقف ، وأكثر أنواع الدجل شيوعا الآن هو الدجل السياسى .. لقد أصبح هذا الوصف مصطلحا شائعا هذه الأيام المليئة بالعواصف والأعاصير السياسية التى أوقعت الجميع فى حالات من عدم الاستقرار ، وعدم الثقة ، وعدم وضوح الرؤية وأفقدت الناس كثيرا من الأمل بسبب التخبط والتقلب والإحباط والإفراط ؟؟ 
والمتابع لما أعلنته قوى سياسية كثيرة فى مصر يلاحظ تناقضا أساسيا فى السياسة المعلنة لكل الأحزب والتيارات وقع فيه معظمها ، على لسان قادتها وممثليها وصحفها وقنواتها .. 
لقد أعلنت كل الأحزاب موافقتها والتزامها بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية .. ومع ذلك .. فإن مواقفهم حيال الرئيس الذى تولى إبرامها تختلف جذريا
بعضم يرى السادات .. حتى الآن .. خائنا ، ويراه البعض عميلا ، وآخرون يرونه قد باع الوطن ، وبالتالى استحق  القتل عقابا له على مافعل 
الأدهى من ذلك أن هؤلاء المتصارعين من أجل الوصول للحكم ، لا سيما كرسى الرئاسة ، يعلنون أنهم سيبقون على المعاهدة وأنهم مستعدون لضمان ذلك أمام العالم ، وبعضهم اجتمع مقدما مع ممثلين للإدارة الأمريكية لإبلاغهم بالتطمينات اللازمة لإيصالها بالتالى إلى إسرائيل 
معنى ذلك أن هؤلاء يريدون الجلوس مكان السادات والعمل بسياسته لكنهم يدينونه لذات العمل ولذات السياسة 

ليس فى هذا دفاع عن السادات بقدر ما هو كشف للازدواجية السياسية التى تجمع بين المتناقضات وتعطى وجهين لنفس الحقيقة ونفس السياسة ونفس الموقف .. 
هل يمكن تصور أن يتهمك شخص بالخيانة ثم يتبنى ما ينكره عليك إن هو أصبح مكانك؟ .. ويريد منك أيضا أن تصدقه ، وأن تمنحه ثقتك ، وأن تبرئه مما اعتبره جرما فظيعا .. هذا هو عين الدجل السياسى
مساء الخير ..

الخميس، 2 فبراير 2012

صراع الأجيال فى مصر


*

من المعلوم أن المجتمع المصرى قد تغيرت تركيبته السكانية فى العقود الأخيرة إلى مجتمع يتكون فى غالبيته من الشباب ، وبهذا يصنف ضمن المجتمعات "الشابة" على عكس ما نراه فى المجتمعات الأوربية مثلا والتى تراجع فيها معدل الزيادة السنوية فى عدد السكان تدريجيا منذ الحرب العالمية الثانية إلى حد وصوله إلى الصفر فى بعض دول أوربا بل إلى معدل سلبى أحيانا مما ينتج عنه تناقصا حتميا فى نسبة الشباب إلى كبار السن وكلاهما يمثل من 20-25 % من التعداد الكلى أى بنسبة متساوية تقريبا 1:1

حالة مغايرة تماما فى مصر التى تزايد معدل زيادة السكان فيها إلى 2.4% سنويا مما جعل نصفه تحت سن العشرين وأغلبيته تحت الخامسة والعشرين، وبهذا تكون نسبة الشباب إلى كبار السن 5 أضعاف تقريبا 1:5
النسبة العددية هى فقط عنوان شكلى للتركيبة السكانية تعكس بالضرورة فروقات أخرى مجتمعية بين الشريحتين تتعلق بطريقة التفكير وأسلوب الحياة وما يتبع ذلك من اختلاف فى الأولويات
ونظرا لسيطرة الجيل القديم على مقدرات الدولة فى مصر دون وجود آليات لتسليم الراية إلى الأجيال اللاحقة فقد ظهر مصطلح "دولة العواجيز" خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 والتى أعلن فيها الشباب المصرى رفضهم لاستمرار الأجيال السابقة فى الحكم والتحكم بينما قوبل هذا الرفض بيد من حديد من قبل السلطات كما ظهر فى مواجهات الثورة وما تلاها من أحداث خلال عام كامل من عدم الاستقرار آخرها حوادث القتل والبلطجة فى مباراة كرة القدم ببورسعيد
فى ذكرى موقعة الجمل الشهيرة فى ميدان التحرير العام الماضى ، وهى حوادث لا يجب أن تكون متوقعة بهذا الحجم والضراوة فى مبارة رياضية ، إذ لم يحدث فى تاريخ كرة القدم أن تسببت مباراة فى قتل 73 مواطنا وجرح ألف

وتكرار مثل هذه الحوادث كل شهر تقريبا منذ اندلاع الثورة نتيجة سوء الإدارة الأمنية والتعامل الوحشى مع المتظاهرين لابد أن يقارن بالصورة النقية من القتل والإصابات فى كل مرة تعلن قوات الأمن انسحابها من ميادين التظاهر وترك الساحات "لتأمينها بمعرفة وعلى مسئولية المتظاهرين" كما أعلن فى بيانات سابقة لبعض التظاهرات المعلن عن موعدها سلفا
لا يبدو فى الأفق ، مع الأسف ، أية بوادر للتصالح بين الكبار والشباب مع استمرار مسلسل العنف ولا يمكن فى الوقت نفسه لوم الشباب المدنى الأعزل لاستخدامه أى عنف ضد أمن السلطة ، ومن الواضح أن أية مبادرة للتصالح لن تأتى إلا من الطرف المسيطر على السلاح والقوات والتشكيلات والسلطة التنفيذية بأكملها ، ولا يمكن تصور أى تصالح باستمرار احتكار السلطة والأمر من طرف واحد مع طلب الإذعان التام على الطرف الآخر وفى نفس الوقت إهماله التام اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا واعتباره قطيع يساق كما تساق قطعان الماشية ، التى أيضا تسخر وتحلب ثم تذبح فى النهاية ..  لا يمكن أن يكون هذا عدلا ولا إنسانية ، ولا حقا ولا عقلانية

على الكبار أن يمتثلوا لنداء العقل والضمير الإنسانى بوقف العنف ومحاولات الترويع فلن يفلح أى عنف فى الإجهاز على قوى الشباب الثائر ولن يفلح المضى ضد تيار العمر والتاريخ
إن متوسط عمر الحكام الآن 70 عاما بينما متوسط عمر الثوار 20 عاما ، هذا الفرق الشاسع يقترب من عمر جيلين وليس جيلا واحدا ، وهو فرق يتولد عنه فرق جهد يولد بدوره طاقة هائلة للشباب لا قبل للأجيال القديمة بها يجب أن تكون طاقة إيجابية فى خدمة المجتمع ولا يجب أن تستهلك وتهدر فى مشاكل تديرها أجهزة أمنية
لكن الطاقة الحيوية ليست كل شيء فهناك طاقة أخرى هائلة تتولد عن استئثار السلطة الحاكمة بكل خيرات المجتمع بينما يعانى الشباب من البطالة وقلة الرعاية وإهدار الكرامة أيضا .. هذا هو الوضع الذى يفجر الثورات ويضع المجتمعات على حافة الفوضى 
باختصار لابد للكبار فى مصر ، عمرا وسلطة وتاريخا ، التنازل طواعية عن بعض أدوارهم للشباب لتقوم الأجيال الجديدة بدورها الطبيعى فى قيادة البلاد وإنمائها قبل أن تشيخ فى مكانها انتظارا لرحيل الأجيال الأقدم
والصورة فى إيجاز شديد شباب يمثل غالبية من السكان مقابل أقلية من كبار السن تملك وتتحكم فى معظم مقدرات الأمة ، شباب يملك من الطاقة الحيوية والطاقة المجتمعية أضعاف أى شريحة أخرى فى المجتمع ، وشباب يملك معه الحركة الحتمية للطبيعة والتاريخ مقابل شريحة متحكمة لن تحيا قدر ما فات ولن تقدر على حمل المعاول فى أى بناء جديد
بقى أن نشير إلى شريحة الأعمار المتوسطة ، وهى فئة أقلية أيضا ، وقد اختارت لنفسها دورا مميزا ووسطا هو السلطة التشريعية ممثلة فى مجلس الشعب كما أظهرت الانتخابات الأخيرة ، ولا غبار فى ذلك على الإطلاق ، إذ أن طاقة هؤلاء أقل بكثير من خبراتهم

إن ما يحدث فى مصر الآن هو صراع أجيال بامتياز .. ولن يحل إلا بتنازل الكبار ، طواعية ، عن سلطاتهم والاعتراف بشرعية حكم الشباب للبلاد ، بل إن هذا هو الأمل الوحيد الباقى للإسراع بنهضة مصر من عثراتها الكثار
ولننظر حولنا لنرى كيف تسلم الأمم المتحضرة راياتها فى هدوء وسلام من جيل إلى جيل ، ولنرى كيف يتقلد الشباب أرفع المناصب ويتولون أعلى القيادات بما فيها الرئاسة
ويجب هنا أن نتساءل لماذا يتم إحالة كل موظف عام إلى التقاعد عند سن الستين بكل حزم وصرامة وطبقا للقانون ، بينما يسمح لأعلى المناصب وأكبر المسؤليات أن يتولاها كهول فى السبعين والثمانين ، أيضا بكل حزم وصرامة وطبقا للقانون؟!

* 

الأحد، 22 يناير 2012

قراءة فى القسم الجمهورى

قراءة فى القسم الجمهورى !!
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً علي النظام الجمهورى ، وأن أحترم الدستور والقانون وأرعي مصالح الشعب"

بهذا القسم الشهير يبدأ الحاكم الجديد حكم البلاد ، ومعه فرقة من الأشخاص الذين يختارهم لمعاونته فى هذه المهمة ، وعادة يوجههم كيفما شاء فهم يدينون له بالولاء ويطيعونه مهما فعل ، ولا عجب فهو الرئيس المطلق والحاكم الأوحد وفى يده كل السلطات وكل المنح والعقوبات
تكشف لنا قراءة نص هذا القسم الشهير بعض المفارقات التى لا ندرى كيف تم تمريرها والسكوت عليها لعقود طويلة
وبينما سنركز هنا على الحالة فى مصر نعلم أن هناك تشابها كبيرا بينها وبين تلك فى دول عربية عديدة اختارت النظام الجمهورى بعد أن عانت كثيرا من النظم الملكية المستبدة ، ومن المعلوم أيضا أن ما يحدث فى مصر يتم استنساخه فى غيرها ولو بعد حين .. فى السياسة كما فى الاقتصاد وفى الإصلاح كما فى الفساد

1. عبارة " النظام الجمهورى" فى هذا القسم قصد بها إنهاء الولاء للنظام الملكى الذى أطاحت به ثورة يوليو ، وكان قسم الولاء الملكى يقول " أحلف بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية "

2. بينما يذكر القسم الملكى "الأمة المصرية" لا يشير القسم الجمهورى إلى اسم البلد الذى يحلفون من أجله!

3. هناك خلط فى الواقع بين القسم على الولاء للأمة والولاء لـ "النظام"

4. مع تغير رأس النظام أصبح مصطلح النظام يشار به إلى شخص الحاكم أو إلى الفئة الحاكمة وليس إلى طريقة الحكم ، مثلما أشير إلى نظام عبد الناصر ، نظام السادات ، نظام مبارك ، نظام القذافى ، نظام الأسد ، نظام البشير ، نظام عبد الله صالح ، نظام الملالى فى إيران ، نظام البعث فى سوريا والعراق وهكذا .. رغم أن هذه كلها جمهوريات

5. فى حالات متعددة ظهرت محاولات لتوريث الحكم فى الجمهوريات ، بعضها نجح مثلما حدث فى سوربا وبعضها فشل كما حدث فى مصر وليبيا واليمن ، رغم أن مبدأ التوريث هو مبدأ مضاد تماما لفكرة وفلسفة الحكم الجمهورى ، بل إن الجمهوريات جاءت فى هذه البلاد بحركة رافضة للتوريث الملكى الأصل

6. عند حلف اليمين "الدستورية" ، يحدث اللبس الكبير بين الولاء للنظام الجمهورى بمعنى عدم توريث الحكم والولاء للحاكم الذى أصبح النظام يسمى باسمه

7. يضاف إلى قسم الرئيس قسم النواب والوزراء الذين يؤدون نفس اليمين بما فيهم وزراء الدفاع ، أى إقحام الجيش فى مسألة الولاء للحاكم وهو ما ليس من وظيفته بالمرة وهو ما يتسبب فى الحرج الكبير الذى يواجه القادة العسكريين عند حدوث أزمة دستورية أو خلاف سياسى أو ثورة شعبية ويوقعهم فى الاختيار الصعب بين تأييد الحاكم وإطاعة أوامره أو اتخاذ جانب آخر قد يرون أنه فى مصلحة البلاد ، بل إن من شأن هذا الموقف إحداث انقسام أحيانا بين صفوف القوات المسلحة فى أى بلد حسب اختلاف الرأى والاعتقاد فيما أقسموا عليه وهل كان ذلك ولاء للشعب والوطن أم للحاكم الذى يوصف أحيانا بالشرعية حتى ولو شطح ونطح

8. لم يلتزم الحكام الجمهوريون بهذا القسم ، وسرى عدم الالتزام هذا من أول احتكار السلطة إلى توريثها إلى ضرب المعارضة بل وإلى توظيف الإعلام والمناهج الدراسية لتكريس حكمهم وأشخاصهم مما يتعارض أساسا مع مبادئ النظام الجمهورى

9. فى مصر بالذات فى عهد مبارك حدثت أخطر مخالفة دستورية شهدتها البلاد فى العصر الجمهورى وتحت مظلته وباسمه .. فقد تعمد نظام مبارك إدخال رجال الأعمال إلى السلطة بتعيينهم مباشرة فى مناصب وزارية بالمخالفة لنص الدستور الذى يحرم الجمع بين العمل السياسى والعمل التجارى ، فضلا عن أن هؤلاء الرجال قد تم صنعهم بواسطة السلطة أصلا إذ لم تكن لهم أية أموال ولا أعمال قبل تولى مبارك الحكم ولا يمكن بأى حال أن يتم لهم جمع ثروات مليارية من العمل الحر فى سنوات معدودة ، ورغم أن الهدف من صنعهم كان إيجاد واجهة غير سياسية لتضخم ثروات العائلة الحاكمة فقد توحش رجال الأعمال إلى درجة التحكم فى الأنشطة السياسية العامة كانتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة نفسها وفى سن القوانين وتعديلها وإلغائها وفى تعديل الدستور وفى تحجيم المعارضة أو قتلها ، وأصبحوا هم أصحاب الكلمة فى اختيار الرئيس القادم وتوجيه البلاد حسبما يرون ولمصالحهم دون أى مراعاة لمصالح الأغلبية الشعبية

10. أين القسم من كل هذا؟
أين الحفاظ على النظام الجمهورى والتوريث يهدمه؟
وأين الولاء للأمة والحاكم يعيث فسادا ويخالف كل منطق ولا يعبأ برأى ولا يقيم للعدل دولة؟
وأين رعاية مصالح الشعب والشعب يزداد فقرا وجهلا ومرضا وضعفا ؟
هل صدق الذين أقسموا " أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً علي النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون وأرعي مصالح الشعب"؟
لهذا يجب تغيير القسم ، والحكام ، وربما الشعب أيضا ..
الشعب بدأ تغيير ما بنفسه ، وأجبر الحكام على الرحيل .. بقى أن نغير القسم ..
يجب أن لا تتكرر مأساة التداخل بين "الحفاظ على النظام" والحفاظ على "رجال النظام" ضد مصالح الأمة بدعوى الانحياز للشرعية المنتخبة ، مزورة كانت أو سليمة ، فنحن كلنا بشر وابن آدم خطاء ، ومن المحتمل المنطقى أن يخطئ الحاكم أو يفشل أو يفسد أو ينحرف ، فإذا نص الدستور على أن نظام الحكم جمهورى لا تصبح هناك ضرورة لتكرار كلمة "النظام" فى القسم حتى لا يساء تفسيرها بواسطة الفئة الحاكمة أو جيش البلاد قصدا أو عن غير قصد ، وسيكفى القسم باحترام الدستور للدلالة على ما تضمنه من أسلوب الحكم الجمهورى
لهذا نطالب بأن ينص الدستور الجديد على قسم واضح ومحدد يخلو من كلمة "النظام" ..
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ على مصر وأن أرعى مصالح الشعب المصرى ، وأن أحترم الدستور والقانون ، وأن أمثل للمساءلة القانونية فى حال مخالفة ذلك"
مساء الخير ..